تقدم الزمن بخطوات مسرعة فترك خلفه الكثير من الأشياء التي أصبحت على قائمة الذكريات, (المرحاكة) اسم الرعيل الأول للطاحونة اختفى تماماً من على واقعنا الحالي بيد أن هنالك اجيالاً لا تدري معناها وحقيقتها.. ولكن على قمة جبل يقع جنوب النيل الأبيض نحتت (المرحاكة) اسمها على صخوره لتبقى أبد الدهر وتعلن عن اسمها ونفسها في الحاضر.. عدد من (الحفر) الصغيرة منتشرة بطريقة عشوائية على سطح الجبل الذي تمتد مساحته ما بين (3- 5) كيلومترات.. يوجد في قاعها كمية من الأتربة و(روث) الأغنام التي تعد بارعة في تسلق الجبال بحثا عن الأشجار والأعشاب الجبلية التي تعد الطعام المفضل لها.. ولكن هذه الحفر لم تظهر على الجبل بسبب التعرية أو العوامل الطبيعية وإنما عبارة عن مطاحن غلال (تقليدية) صنعها الأهالي في قديم الزمان لطحن الذرة (العيش) بأنواعه المختلفة لتحوله الى دقيق والاستفادة منه في صناعة الطعام والشراب وغيره من الاطعمة الاخرى التي يعتمد عليها المواطنون.. وكان الرجال يقومون بتجهيز (المرحاكة) في الجبل بحكم ان نحت الصخر وتجويفه بطريقة هندسية معينة عمل شاق وخاص بالرجل فيما يصعد النساء زرافات وأفراد الى مجمع المراحيك ويقمن بطحن الذرة باعتباره عملية تدخل ضمن شؤون المرأة ومرحلة مهمة في صناعة الطعام (الكسرة – الرهيفة - العصيدة) والشراب على مثل (المديدة.. المريسة).. وتعتبر المرحاكة الرعيل الأول للطاحونة يعتد عليها الناس منذ عصور سحيقة وقبل أن تظهر مطاحن الدقيق الحديثة بأنواعها المختلفة وظهرت (الطاحونة) لأول مرة في السودان مع نهاية الخمسينات وبداية الستينات وكانت قليلة في المدن وتعمل بالبخار ثم سرعان ما انتشرت في المناطق والأرياف فاعتاد عليها الناس وتركوا المرحاكة التي تحتاج الى مجهود بدني كبير على عكس الطاحونة التي تعمل بالطاقة دون الاحتياج الى مجهود بدني كما أن لها القدرة على طحن أكبر كمية من الذرة الموجودة حسب الطلب ثم تطورت الطاحونة وأساليبها.. هجر الناس المرحاكة ثم رويدا.. رويداً تخطها الزمن وتحولت لتجلس على متحف الذكريات أو تحفر اسمها على سطح الجبال
مع تحياتي جعفر الريح